من نوادر بهلول المجنون
قال رجل لبهلول المجنون: قد أمر أمير المؤمنين لكل مجنون بدرهمين. فقال له بهلول: فهل أخذت نصيبك.
وأودع بهلول بعض الأفنية بالكوفة عشرين درهما ورجل خياط ينظر إليه من حيث لا يعلم به بهلول؛
فلما انصرف أخذ الخياط الدراهم، فعاد بهلول يطلبها فلم يجدها، فعلم أنه لم يؤت إلا من الخياط.
فمر به فقال: يا فلان؛ خذ بيدك عشرة دراهم وخذ ثلاثين وخذ كذا ... حتى بلغ المائة. قال: وزدها عشرين كم يكون المال؟
قال: مائة وعشرين. قال: أصبت ومضى.
فقال الخياط في نفسه: ما أظنه إلا يمضي بهذه الدراهم التي حسبها ليزيدها على العشرين فلأردنها إلى موضعها، فإذا زاد عليها أخذت الجميع ففعل؛
فكر بهلول إلى الموضع، فأخذ الدراهم وأحدث في موضعها ثم مضى؛ فقام الرجل مسرعا، فلما أدخل يده امتلأت حدثا، ولم يجد شيئا؛ فعارضه بهلول،
وقال: خذ في يدك كذا وكذا. كم في يدك؟ قال: مائة وعشرون. قال: ما في يدك إلا حدث، فانتشر خبر الخياط، وولع الصبيان فيه حتى هرب من الكوفة.
ولبهلول هذا حكم؛
ولما دخل الرشيد الكوفة خرج الناس للنظر إليه، فناداه بهلول ثلاثا.
فقال: من المجترىء علي في هذا الموضع؟
قيل: بهلول المجنون. فرفع السجافة وقال: بهلول؟
قال: لبيك يا أمير المؤمنين، روينا عن أيمن بن نائل قال: حدثنا قدامة عن ابن عبد الله العامري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة لا ضرب ولا طرد ولا قيل بين يديه إليك إليك؛ وتواضعك في سفرك هذا خير لك من تجبرك وتكبرك.
قال: فبكى الرشيد حتى جرت دموعه على الأرض،
وقال: أحسنت يا بهلول، زدنا يرحمك الله.
قال: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ أيما رجل آتاه الله مالا وجمالا وسلطانا فأنفق في ماله وعف في جماله وعدل في سلطانه كتب في خالص ديوان الله من الأبرار }
قال: أحسنت يا بهلول، وأمر له بجائزة سنية،
فقال: يا أمير المؤمنين؛ ردها على من أخذتها منه؛ فلا حاجة لي بها.
فقال: يا بهلول؛ إن كان عليك دين قضيناه.
قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء أهل الرأي بالكوفة أجمعوا على أن قضاء الدين بالدين لا يجوز.
قال: فنجري عليك ما يكفيك؛ فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا أمير المؤمنين؛ أنا وأنت في عيال الله، ومحال أن يذكرك وينساني؛ فأرسل الرشيد السجف وسار.
وقيل: إن بهلولا كان يستعمل الجنون سترا على نفسه.