بقلم : مشعل السديري
اجتمعت مع أحد الإخوة من اليمن، فزعم لي أنه من أحفاد (بلقيس)، فسألته توددا: أي بلقيسة من البلقيسات أنت تعني؟! فقال: طبعا بلقيس اليمانية، وهل هناك ملكة غيرها؟!
قلت له: حسب قراءاتي فهناك من شكك أو على الأقل اختلف في ماهيتها ومكانها، وقد ورد ذكرها في كتابين سماويين دون ذكر المكان وهما (التوراة) و(القرآن الكريم) الذي جاء فيه أن سليمان أرسل الهدهد برسالة إلى بلقيس، فجمعت قومها وقالت لهم: «يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتاب كريم، إنه من سليمان، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين».
«قالت: يا أيها الملأ أفتوني في أمري، ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون».
«قالوا: نحن أولو قوة، وأولو بأس شديد، والأمر إليك، فانظري ماذا تأمرين».
عندها ردت بلقيس على سليمان بما يشبه التحدي فغضب وجمع قومه وخاطبهم بما جاء به الذكر الحكيم وقال: «يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين».
«قال عفريت من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك، وإني عليه لقوي أمين».
«قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك».
«فلما رآه مستقرا عنده، قال: هذا من فضل ربي، ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم».
«قال: نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون. فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت: كأنه هو، وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين، وصدها ما كانت تعبد من دون الله، إنها كانت من قوم كافرين».
«قيل لها: ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة، وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت: ربي إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين».
نعود للمتشككين أو المتسائلين عن مكان وجودها، وقد ذكر المؤرخان (نيلسون) و(كامبرر): أن مملكة سبأ تقع في الموضع الكائن ما بين تدمر والجوف، وكان الآشوريين والبابليين يسمونه (بلاد عريبي)، أي بلاد العرب.
وأكد المؤرخ (يوسيفوس) أنها كانت مصرية واسمها مشتق من (نيقوليس).
بل إن هناك قبائل أفريقية عدّة، تقطن الفيافي والغابات الممتدّة حول بحيرة نباسا بين روديسسيا وموزامبيق، تدعي هي أيضا أن الملكة التي ذهبت إلى سليمان في موكب محمل عطورا وحجارة كريمة، كانت ملكة بلادهم، وقد عادت إليها وولدت بها طفلا لسليمان.
وأخيرا وليس آخرا فمن هؤلاء المؤرخين من ذكروا أن بلقيس جاءت من بلدة (قيطور) أو (قطر)، بمعنى بلدة العطور.
كنت طوال استرسالي بهذا الحديث للأخ اليماني، كان هو والحق يقال مستمعا ومنصتا لي بأدب جم دون أن يقاطعني بكلمة واحدة، ولا أدري هل كان مأخوذا بكلامي أم أنه كان مستخفا به؟! والاحتمال الثاني هو الأرجح.
وبعد أن تعبت من الحكي خجلت من نفسي قليلا ثم قلت له: ولكنني أظن أن بلقيس كانت امرأة يمانية، ولا أتخيلها غير ذلك.
تبسم هو بوجهي بحكمته اليمانية المعهودة دون أن يرد علي، ثم نهض ومدّ يده لي مصافحا ومودعا دون أن يقول لي: إلى اللقاء.