بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية في الإطاحة بنظامي الرئيسين السابقين، زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، بدأ يخلص القادة العرب الحاليون على نحو متزايد أنه من الأفضل بالنسبة إليهم أن يلجؤوا لخيار القتل بالطلقات النارية، أو على الأقل اعتقال المتظاهرين وحبسهم، بدلًا من أن يتنازلوا عن العرش ويلوذوا بالفرار من بلادهم. -------------------------------------------------------------------------------- القاهرة: يبدو أن الحسبة التي خلص من خلالها الحكام العرب بعد الثورة المصرية والتونسية قد بنيت على النتائج قصيرة الأجل للربيع العربي. فالرئيس الذي استسلم لإرادة شعبه والتخلي عن السلطة، مثل الرئيس حسني مبارك، يواجه الآن إذلال التحقيق الجنائي، والخضوع للمحاكمة، واحتمالية الإيداع في السجن. أما الأشخاص الذين مالوا لاستخدام القوة، مثل الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، فلا يزالون في السلطة وبحوزتهم النفوذ الذي يؤهلهم للتفاوض على سلامتهم وعدم المساس بهم حال مغادرتهم مناصبهم، وذلك طبقًا لما نقلت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن مجوعة من المحللين الإقليميين. وفي هذا السياق، قال مصطفى العاني، المحلل لدى مركز الخليج للبحوث في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة :" لا أعتقد أننا سنرى حكامًا يهربون، مثلما فعل مبارك. فقد تجاوزنا تلك المرحلة. وأعتقد أن الحكام لن يهربوا أو يتخلوا عن السلطة، وسيغتنمون الفرصة الموجودة بين أيديهم". وكانت موجة الانتفاضات العربية، التي بدأت بتظاهرات شعبية سرعان ما أسفرت عن رحيل حكام مستبدين، قد تطورت إلى مواجهات مميتة في ليبيا وسوريا واليمن وأماكن أخرى، حيث كان القادة على استعداد هناك لاستخدام القوة المميتة ضد شعب مقتنع بأن المثابرة هي مفتاح النصر. وفي مقابل ذلك، مضت الصحيفة الأميركية تقول إن القادة العرب استقروا الآن على صيغة تتألف من ثلاثة عناصر:1- تنازلات محدودة؛ 2- رواية تلقي باللوم على طرف ثالث مثل دولة أجنبية أو تنظيم القاعدة؛ 3- قوات أمنية مخول لها اتخاذ أي خطوات ضرورية، بما في ذلك القتل رميًا بالرصاص، لتفريق الناس ومنعهم من التجمع في الشوارع. وفي البحرين، لفتت الصحيفة إلى أن المسؤولين حاولوا إعادة صياغة الأمر تمامًا من خلال التأكيد على أن المتظاهرين هم من بدؤوا أعمال العنف، بينما قامت الحكومة بفرض ما يرقى إلى الأحكام العرفية على غالبية السكان. والتساؤل الذي رأت الصحيفة أنه بدأ يطفو على السطح الآن هو ذلك المتعلق بالمرحلة المقبلة لهذا الموسم غير المتوقع من التظاهرات. ومضت تقول: هل يمكن لهذا الأسلوب القمعي أن يسود ؟ وإن حدث ذلك، فإلى متى سيسود ؟ وتابعت بتأكيدها أنه لا يوجد شيء مؤكد، وأن هناك إشارات متنافسة من لحظة إلى أخرى. لكن خبراء أوضحوا هنا أن هناك بعض الأسباب التي تدعو إلى الاعتقاد بأن القادة الذين لجؤوا إلى خيار "إراقة الدماء" قد لا يظلوا في مناصبهم في نهاية المطاف. ثم لفتت الصحيفة إلى أن صور الاستخدام العنيف والمتواصل للقوة كانت ولا تزال واضحة في ليبيا واليمن، والآن سوريا، حيث قامت قوات الرئيس بشار الأسد بقتل المئات، في وقت تجوب فيه دباباته في الأحياء المدنية. وكانت تلك التكتيكات التي ترتكز على الترهيب والقوة قد نجحت في البداية في البحرين، وهو ما أرجعته الصحيفة إلى صغر مساحة المملكة وقلة عدد سكانها الذين يسهل السيطرة عليهم، وكذلك إلى أن الولايات المتحدة كانت على استعداد للنظر في طريقة أخرى لمساعدة أحد حلفائها. وقال عبد الرحمن بارمان، وهو محام في مجال حقوق الإنسان يشارك في الانتفاضة التي يشهدها اليمن حاليًا: "كان الرئيس علي عبد الله صالح على وشك التنحي، لكنه سيحارب الآن وسيفعل كل ما في وسعه للبقاء في منصبه، ومن ثم عدم بلوغ المصير نفسه الذي سبقه إليه الرئيس المصري حسني مبارك". لكنه أضاف: "تسبب أيضًا النموذج المصري في إلهام الشارع العربي بالمثابرة. وما حققته الثورة في مصر بعد أن نجحت في وضع مبارك وزمرته خلف القضبان قد منحنا قدرًا كبيرًا من الأمل وحيوية أكثر قوة. لقد طلبنا من قبل من الرئيس صالح أن يرحل. لكننا نريد الآن محاكمته بسبب الجرائم التي اقترفها بحق الشعب اليمني وبسبب فساده". وفي أعقاب الأوضاع القانونية التي وصل إليها الآن الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، وكذلك نجليه علاء وجمال، بعد التحقيق معهم ومواجهتهم بتهم متعلقة بالفساد وقتل المتظاهرين، أوردت النيويورك تايمز عن مسؤول دبلوماسي رفيع المستوى من منطقة الخليج، بعد رفضه الكشف عن هويته، قوله " تسبب ذلك في إثارة قلق القادة العرب الذين يشعرون الآن بأن مبارك وزين العابدين بن علي لم يتشبثا بالسلطة بالقدر الكافي". في حين قال مصطفى كمال السيد، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة: "لا يوجد زعيم عربي في مأمن من احتمالية مواجهة نفس مصير الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وإن كان مبارك نفسه سيمثل للمحاكمة، فمن المحتمل أن يواجه باقي الرؤساء العرب تلك الاحتمالية نفسها". وفي مقال له الأسبوع الماضي بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، حذر عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، من أن القمع لن يجدي في نهاية المطاف، وأن السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو من خلال التغيير. وختمت الصحيفة بنقلها عن شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، قوله :" لا يجب أن يحدث ذلك بتلك الطريقة، حيث يتم قتل المئات أو الآلاف. ويحصد الناس حريتهم عن طريق دمائهم".