ارحل سريعا يا مبارك
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 20 ساعة و 57 دقيقة
السبت 29 يناير-كانون الثاني 2011 05:41 م
لا نفهم لماذا يصر الزعماء العرب على ان يقضوا ما تبقى لهم من عمر في المنافي، وهم يحملون لقب 'رئيس مخلوع' بدلا من 'رئيس سابق' يعيش بين اهل وطنه معززا مكرما، مثلما يحدث في مختلف انحاء العالم المتحضر.
الرئيس المصري حسني مبارك يرى بلاده تحترق، مثلما يرى الشرر يتطاير من اعين الشباب الغاضب الثائر مع ذلك يصر على البقاء في منتجع شرم الشيخ يصدر المراسيم بالريموت كونترول بفرض حظر التجول، وانزال الجيش الى الشوارع على امل البقاء على كرسي الحكم لبضعة اشهر اضافية، وهو الرجل المريض الهرم.
والاغرب من كل ذلك انه، اي الرئيس مبارك، وربما معظم نظرائه العرب ايضا، لا يجيدون قراءة ما حدث في تونس واستخلاص العبر والدروس المستفادة، وابرز دليل على هذه الامية السياسية اغلاق شبكات 'الفيس بوك' وحجب مواقع 'الانترنت'، بل وقطع الاتصالات الهاتفية الارضية والمحمولة.
نزول الجيش المصري الى الشوارع قد يكون المؤشر الابرز على نهاية عهد الرئيس مبارك، لان انتصار الجيوش لانظمة حكم دكتاتورية قمعية في مواجهة ثورات شعبية اصبح من تراث الماضي السحيق، فالغالبية الساحقة من الثورات الشعبية التي اجتاحت دولا في اقصى الشرق (الفلبين) مرورا بالوسط (ايران الشاه) وانتهاء بالدول الاشتراكية شهدت انحيازا صريحا للجيش الى جانب الشعب الثائر.
' ' '
الرئيس مبارك اذل الجيش المصري مثلما اذل الشعب في الوقت نفسه، عندما حوله، اي الجيش، الى شركات مقاولات لحفر الترع وتصنيع الادوات المنزلية (الحلل والمطابخ والسكاكين والشوك)، وادارة مزارع الدجاج، هذا الجيش العظيم الذي انتصر لقضايا الامة المصيرية، وخاض معارك التحرير في سيناء بشرف وشجاعة، حوله النظام الحاكم او جزء منه الى جيش من الخبازين، وهو امر غير مقبول علاوة على كونه مهينا.
الانتفاضات التي تعم الشوارع العربية هذه الايام انتفاضات شباب، ليس لها علاقة بأحزاب المعارضة التي تعتبر من بقايا 'الحرب الباردة' وتنتمي الى الماضي، وممارساته وادبياته المنقرضة، ولهذا جاء دور معظم الاحزاب التونسية والمصرية، الشرعي منها او المحظور، هامشيا، مع بعض الاستثناءات.
النظام المصري ارتكب اخطاء فادحة، والحمد لله انه فعل ذلك، ابرزها احتقاره لابناء شعبه، وايمانه بان هؤلاء فاقدو القدرة على التحرك والاحتجاج مهما جلدهم بسياط القمع، وثانيها الاستخفاف بالاحزاب السياسية، والاصرار على اسقاطها في الانتخابات الاخيرة بأبشع انواع التزوير واكثرها سذاجة.
فماذا يضير النظام لو حصل حزب الاخوان على مئة مقعد في مجلس الشعب، والوفد على نصف هذا الرقم. وماذا سيخسر النظام لو حصل حزب الدكتور ايمن نور على عشرة مقاعد، واحتفظ مصطفى بكري بمقعده في الصعيد؟ انه الغباء السياسي مرة اخرى، الذي اعمى بصر الحاكم وبصيرته، وكذلك بطانته الفاسدة الجشعة.
السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية بعثت برسالة واضحة وصريحة الى الرئيس مبارك، ومن خلاله الى جميع الحكام الآخرين الذين ينتظرون دورهم في 'الخلع'، ويجرون اتصالات مع الحكومة السعودية للانضمام الى نادي الطغاة المخلوعين، وذلك عندما قالت في مؤتمرها الصحافي امس 'ينبغي على الحكومة المصرية ان تفهم ان العنف لن ينهي هذه الاحتجاجات' وجددت مطالبها بضرورة اجراء اصلاحات سياسية جذرية.
ونأمل ان يكون الرئيس مبارك قد فهم هذه الرسالة، مثلما فهم رسالة اخرى بعث بها مسؤول امريكي آخر قال فيها 'ان بلاده قد تعيد النظر في سياستها بشأن المساعدات العسكرية الكبيرة وغيرها التي تقدمها الى مصر في ضوء الرد الحكومي على التظاهرات الشعبية الحاشدة'.
فأمريكا التي دفعت ثمنا غاليا ومكلفا لسياستها في تغيير الانظمة بالقوة في العراق وافغانستان، لم تعد قادرة على حماية الديكتاتوريات الموالية لها من السقوط من خلال ثورة شعبية داخلية وصلت الى درجة عالية من القهر تحت حكم الطوارئ الفاسد.
' ' '
مصر تقف حاليا على اعتاب مرحلة قد تتكلل باستعادة هويتها وريادتها، ودورها القيادي الذي تستحقه على الصعيدين العربي والعالمي، وهو الدور الذي قتله النظام الحالي لصالح قوى اقليمية اخرى معادية للعرب والمسلمين، مقابل التستر على الفساد وتسهيل عملية التوريث.
نشعر بالقلق ونحن نقرأ انباء عن قطع الجنرال سامي عنان رئيس هيئة اركان الجيش المصري زيارة رسمية الى واشنطن والعودة الى مصر، لاننا نتمنى ان ينحاز الجيش المصري الى ثورة ابناء جلدته، ويعمل حارسا لعملية التغيير المأمولة، حتى تعطي ثمارها الاصلاحية، وتنقذ البلاد من حال الانهيار الذي تعيشه حاليا.
علمتنا تجارب الشعوب الاخرى بانه عندما تهرب رؤوس الاموال الاجنبية، وتنهار البورصات، واسعار العملات المحلية يهرب الرئيس الى ملاذ آمن ايضا. والبورصات المصرية خسرت حوالي سبعين مليار جنيه في ايام معدودة، بسبب عمليات البيع المرتبكة التي اقدمت عليها المؤسسات المالية الغربية تقليصا للخسائر، وايمانا بأن الثورة الشعبية قد تنتصر وتطيح بنظام الحكم.
لا نعرف ما اذا كان الرئيس مبارك قد غادر منتجعه المفضل في شرم الشيخ ام لا، ثم الى اين، الى لندن حيث استثمارات اولاده وارصدتهم، ام الى المملكة العربية السعودية على الجانب الآخر من البحر الاحمر؟
لا نستطيع ان نعطي اجابة جازمة في هذا الصدد، ولكن ما نجزم به ان طائرته لن تتسع لكل البطانة الفاسدة، كما ان كتيبة كتاب نظامه لن يجدوا مقعدا فيها، تماما مثلما فعل كتبة النظام التونسي.
الشعب المصري فاجأنا بثورته مثلما فعل نظيره التونسي، والسؤال الذي نأمل ان نسمع اجابة قريبة له هو ان يفاجئنا الجيش المصري بالطريقة نفسها ويعطي انذارا للرئيس مبارك بالمغادرة، والتمهيد لمرحلة جديدة مشرقة في التاريخ المصري الحديث.
نسأل عن السيد أحمد ابو الغيط الخبير في دبلوماسية تكسير العظام، مثلما نسأل عن السيد احمد نظيف رئيس الوزراء وصاحب السياسات الاقتصادية التي زادت من تجويع الشعب المصري، مثلما نتساءل عن فنان النظام عادل امام وما اذا كان سيغادر مع الرئيس، وولي عهده، ليؤنس وحدتهما في حال ما قررا اللحاق بالرئيس التونسي الى جدة حيث لا مسارح ولا ملاهي ولا اي وسيلة من وسائل الترفيه التي تعود عليها؟