أعادت محاولة اغتيال الرئيس صالح وكبار قادة وأركان نظامه في جامع النهدين بصنعاء قبل أسبوعين، فرز معطيات الواقع, وأثارت تساؤلات متناقضة عن مستقبل اليمن بعد غياب الرجل الذي حكمها بالرقص على الثعابين لأكثر من 33 عاما، وعن مستقبل النظام الذي بقي قوياً حتى بعد خروج كبار أركانه مثخنين بالجراح، وعن مصير أي محاولة قادمة للإطاحة بصالح في ظل التصعيد الثوري إذا ما عاد صالح إلى أرض الوطن، وكيف يمكن أن تنجح محاولة قادمة للإطاحة بالرئيس إذا ما عاد في ظل صعوبة الإطاحة به وهو خارج الوطن مثقلاً بإصاباته.
في ظل الوضع الراهن وغموض الموقف الصحي لصالح بين الموقف الرسمي الممني بعودته والتسريبات التي تتحدث عن عجزه عن العودة للحياة السياسية وآخرها التصريح الذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر سعودي الجمعة الماضية، يبقى المواطن اليمني في حيرة من أمره عن مستقبل البلاد بعد استمرار الثورة والشباب الثوار في الساحات لأكثر من خمسة أشهر وهي الثورة التي كان كل المراقبين يعتقدون بحسمها الوشيك بعد أيام من انضمام اللواء علي محسن الأحمر والشيخ القبلي صادق الأحمر إلا أن نظام صالح فاجأ الجميع بقدرته على البقاء فترة أطول حتى مع حالة الانشقاق في صفوف الجيش، لكن لم يأت بحسبان الشباب الثائر في الساحات أن نظام صالح سيبقى حتى بعد خروج رئيسه محمولاً إلى للعلاج في مستشفى خارجي.
سنحاول اليوم تسليط الضوء على مكامن ما تبقى من قوة للرئيس صالح الذي ما زال الإعلام الرسمي والمجتمع الدولي يتعامل معه كرئيس شرعي إلى اليوم، كما سنتناول ملامح المستقبل القادم إذا ما كتب الله لشباب الثورة النصر ولنظام صالح الزوال.
صراع الرجال الأقوياء
وحده علي عبدالله صالح كان حظه مختلفاً في التعامل الغربي معه من بين البلدان التي شهدت ثورات شعبية أطاحت بأنظمتها، فلم تصدر تصريحات غربية بنفس اللهجة التي قيلت في مصر وتونس بضرورة الانتقال الفوري للسلطة وبعد خمسة أشهر من اعتصام شباب الثورة في الساحات أتحفتنا وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بالقول إن أي تغيير في اليمن يجب أن يتم وفق الدستور وهو التصريح الذي أحتفت به وسائل الإعلام الرسمية وابتهجت به أيما ابتهاج، كما لم يتعرض صالح حتى الآن لعقوبات دولية شبيهة بالتي نالت من العقيد الليبي معمر القذافي والرئيس السوري بشار الأسد وهذا ربما يرجع لنشاط دبلوماسي قوي نفذه نظام صالح منذ بداية الاحتجاجات المطالبة بإسقاطه، وربما يكون قد خدمه في هذا السجل السيئ لبعض المنضمين الجدد إلى الثورة وفي مقدمتهم اللواء علي محسن الأحمر المعروف غربياً بعلاقاته المشبوهة مع القاعدة منذ حرب اجتياح الجنوب عام 1994 والذي ظل النظام يتستر عليه طويلاً, أو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.
إلا أن ما جعل نظام علي صالح يسجل حضوراً على الأرض بعد خروجه القسري إلى المملكة هم ابنه وأبناء إخوته الممسكين بمفاصل الجيش والأمن بدءاً من نجله العقيد أحمد قائد الحرس الجمهوري مروراً بأبناء شقيقه يحيى وعمار وطارق وانتهاءً بأخوته غير الأشقاء علي ومحمد صالح الأحمر.
منذ خروج صالح من قصره بدأت الضغوط تنهال على الفريق عبدربه منصور هادي بمطالبته بإعلان موقف مؤيد للثورة وتشكيل مجلس انتقالي وهو الأمر الذي خيب فيه عبدربه آمال الثوار، لكن عدة عوامل كانت تجعل من الصعب عليه اتخاذ خطوات كهذه.
فعدا عن كون قائد الحرس الجمهوري ما زال ممسكا بمفاصل جهاز الحرس وما زال أبناء عمه قابضين على الأجهزة الأمنية، فإن ما تجاهله كثيرون هو خوف عبدربه منصور من انفصال الجنوب في حال سقوط النظام، إذ أن عبدربه هو من أدخل قوات ما كانت تسمى بالشرعية إلى عدن، كما أن شرعية عبدربه منصور هي في الأساس من شرعية حرب صيف 1994 – سيئة الصيت – وإذا ما أدينت هذه الحرب فهي إدانة لـ عبدربه لا محالة، وسيبقى حينها لا ملجأ له لا في الشمال ولا في الجنوب.
منذ تسلم عبدربه منصور هادي صلاحيات رئيس الجمهورية بدأ يحاول الظهور بمظهر الرجل المحايد وهو الشخصية المعروفة بقربها الشديد من اللواء علي محسن، إلا أن هذا لم يمنع محاولات جس النبض بين الرجال الأقوياء من كل الأطراف وتحديداً بين اللواء علي محسن والعقيد أحمد علي عبدالله صالح.
فوفق ما نشرته أسبوعية " الأمناء " تدخل الفريق عبدربه منصور هادي لوقف الاقتتال بين قوات الحرس والفرقة الاولى مدرع بعد أن نشر اللواء علي محسن عدداً من مدرعات الفرقة في غير المكان المخصص لتموضعها إلا أنه اضطر لسحبها بعد تدخل نائب الرئيس الذي تلقى اتصالا من نجل الرئيس يبلغه فيه بأنه سيضرب مدرعات الفرقة بصواريخ سلاح الحرس إذا لم تنسحب في موعد محدد، وبهذا تحول النائب من قائم بأعمال الرئيس إلى مفارع في سوق القادة العسكريين.
أما ابن شقيق الرئيس يحيى صالح والذي يقود أركان جهاز الأمن المركزي فقد رد في مقابلته الأخيرة مع مذيعة قناة الـ بي بي سي بشأن أقارب الرئيس صالح الذين يشغلون مناصب رسمية بقوله: "نحن ضباط محترفون ننفذ التوجيهات الصادرة إلينا من الجهات السياسية", وهو بهذا يرسل رسالة بأن أقارب الرئيس لا ينوون إنهاء الحكم الوراثي بسهولة!!.
في ظل هذه الظروف انفجرت فجأة مواجهات أبين في الوقت الذي هدأت فيه حرب صعدة، بعد تمكنت مجموعات جهادية مسلحة من السيطرة على مدينة زنجبار ومرافقها الحكومية وهو الأمر الذي يحمل تفسيرين قد يحمل أحدهما الصحة: إما أن يكون النظام قد تواطأ على تسليم أبين للجماعات المتطرفة كفزاعة يخيف بها الغرب من مرحلة ما بعد صالح وقد يدعم هذا الخيار التوقيتات السابقة لهجمات القاعدة في لحظات تحقق نصر سياسي للرئيس ومنها تصريح قائده ناصر الوحيشي في وقت سابق بأن القاعدة تدعم الحراك الجنوبي، وإما أن يكون اللواء المشهور غربياً بعلاقاته مع التنظيمات الجهادية علي محسن الأحمر قد أوعز للجماعات المسلحة بالتحرك كعقاب لقيادة المنطقة العسكرية الجنوبية التي أعلن قائدها اللواء مهدي مقولة عدم انضمامه للثورة وانحيازه للنظام.. وما قد يدعم هذا الخيار هو بروز التنظيمات الجهادي في المناطق التابعة للمنطقة الجنوبية وغيابها عن بقية المحافظات الجنوبية الخاضعة للمنطقتين العسكرية الشرقية والوسطى.
يمن ما بعد صالح
يمكن لمعطيات الواقع الراهن أن تعطي لنا صورة عن مستقبل اليمن خلال المرحلة القادمة سواء بقي علي عبدالله صالح رئيساً أو تنحى، فإذا ما عاد صالح من المملكة لممارسة مهامه كرئيس للجمهورية فما من شك أنه بات من المستحيل بقاء النظام بالشكل الذي هو عليه الآن, رغم أن عودة الرجل ستعطيه دفعة معنوية للشعور بأنه أكثر قوة بعد أن أشعرته احتجاجات شباب الثورة بفقدان الشرعية، إلا أن الواقع الجديد سيحتم عليه إجراء تغييرات جذرية ليس أقلها المبادرة التي أطلقها في بداية الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظامه والتي اقترح فيها تحويل النظام إلى برلماني وتحويل نفسه إلى رئيس ديكوري خلال الفترة المتبقية وتقسيم البلاد إلى أقاليم فيدرالية وهذا قد يكون أضعف الإيمان.
أما في حالة تنحي صالح أو عجزه عن ممارسة مهامه لدواعي صحية فإن هذا سيدخل البلد في دوامة جديدة بفعل بقاء أقارب الرئيس في مناصبهم والتي بالتأكيد لن يسلموها طواعية ويسلموا معها رؤوسهم إلى المشنقة، وهو ما سيؤدي إلى عملية تفاوض كبيرة قد تحدث فيها تنازلات قد لا تكون في صالح الشباب الثوار، بقدر ما سيحاول كل طرف أن يكسب سياسياً ويحظى بنصيبه من الصفقة، وبالتأكيد فإن الشعب الذي ثار على الأحمر الرئيس لن يقبل بأحمر الفرقة أو أحمر القبيلة.
وإذا ما لم تحدث تسوية تقضي بإبعاد أبناء الرئيس وأقربائه طوعاً عن مناصبهم الرفيعة في الجيش والأمن بعد عجز الرئيس, فإن تقاسم التركة سيخلف دماراً هائلاً ولن يحقق مكاسب لأحد بما فيهم القادة الكبار، فلن تسلم لعلي محسن المنطقة الشمالية ولا قيادة الفرقة بعد أن أنهكته حرب صعدة عسكرياً، ولن تسلم للعقيد أحمد علي مناطق قوته إذا ما اشتعلت حرباً أهلية قد تفتح الباب أمام التدخل الخارجي ضده، أما الجنوب, الذي تزداد مطالب الانفصال فيه, فإن عدن قد تخضع وقتها بشكل كامل لحكم عسكري تابع لقيادة المنطقة العسكرية الجنوبية واللواء مهدي مقولة ومثلها منبع النفط حضرموت التي سيسيطر عليها قائد المنطقة الشرقية اللواء محمد علي محسن، وفي كل الأحوال فإن الأحداث القادمة قد ترسم نهاية الهيمنة القبلية بشكل كامل في اليمن خاصة وأن كل الجهات توافقت على بناء دولة مدنية يسودها النظام والقانون وآخرها تصريح الشيخ صادق الأحمر باستعداده للذهاب إلى ساحة التغيير دون سلاح أو مرافقين.