كشفت مجموعة من الوثائق السرية الخاصة بصفقة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل عن تورط عدد كبير من الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال المصريين في إبرام هذه الصفقة دون وضع مصالح البلاد الاقتصادية في المقام الأول.
وقالت صحيفة "المصرى اليوم" إنها حصلت على ٣٠ وثيقة سرية لصفقة تصدير الغاز لإسرائيل التى أبرمها نظام مبارك مع تل أبيب، وتضم الوثائق مكاتبات ومراسلات بين كبار رجال الدولة مع وزارة البترول، وبين المسؤولين المصريين مع نظرائهم الإسرائيليين لتسهيل الصفقة.
وتكشف الوثائق عن الأدوار المحورية التي قام بها عمر سليمان مدير المخابرات العامة السابق، وعاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق، وسامح فهمي وزير البترول السابق، وأيضاً المخاطبات التي جرت بين عاطف عبيد، خارج السياق المتعارف عليه ورجل الأعمال حسين سالم بوصفه رئيساً لشركة غاز شرق المتوسط المسؤولة عن تصدير الغاز إلى اسرائيل.
برنامج زمني
صورة ضوئية
وبدأت المراسلات بين عمر سليمان وسامح فهمي بتاريخ ١٩ يناير ٢٠٠٠، حيث أرسل سليمان خطاباً موقعاً بخط يده ويحمل ختم شعار الجمهوية "النسر"، إلى سامح فهمي وزير البترول، كان نصه "السيد المهندس سامح فهمي، وزير البترول، تحية طيبة وبعد، مرفق طيه البرنامج الزمني لتزويد إسرائيل وتركيا بالغاز الطبيعي. رجاء التكرم بالنظر، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام".
وأرفق سليمان الخطاب بمذكرة معنونة بـ(سري جداً) وتحدد مراحل تزويد إسرائيل وتركيا بالغاز الطبيعي، من خلال ٤ نقاط:
١- تم تفويض شركة EMG بعملية تزويد إسرائيل وتركيا بالغاز الطبيعي المصري، وفق بروتوكول يتم توقيعه بين وزارات الطاقة والبترول في كل من إسرائيل وتركيا ووزارة البترول المصرية.
٢- وفقاً للبرنامج الزمني المقترح من شركة EMG يتم تنفيذ المشروع بالكامل في أبريل ٢٠٠١، حيث تنتهي المرحلة الأولى منه بوصول الغاز من العريش إلى إسرائيل في نوفمبر ٢٠٠٠، بينما تكتمل المرحلة الثانية من المشروع بتنفيذ خط الغاز إلى تركيا في أبريل ٢٠٠١.
٣- يقتضي تنفيذ المشروع خلال تلك الفترة الوجيزة (حوالى ١٦ شهراً إتمام جميع خطواته الإجرائية والتنفيذية في التوقيتات المقدرة له بالبرنامج الزمني المقترح، وكذلك اكتمال الخط البري الجاري تنفيذه حالياً من الوادي حتى العريش.
٤- موقف جدول زمني بتفاصيل الإجراءات الواجبة لتنفيذ مشروع خط الغاز الطبيعي إلى تركيا وإسرائيل، والتسهيلات المطلوبة لتعزيز ضمان استكماله في التوقيت المقترح.
واشتمل الجدول المرفق من المخابرات العامة إلى وزارة البترول على البرنامج الزمني التنفيذي لمشروع تزويد إسرائيل وتركيا بالغاز الطبيعي، والذي يضع جميع الإجراءات المطلوب تنفيدها للمشروع بدءاً من ١٥ يناير ٢٠٠٠ حتى أبريل ٢٠٠١ وهو التاريخ الذي كان يفترض فيه الانتهاء من تنفيذ خط ضخ الغاز إلى تركيا.
وتضمن الجدول على ٣ خانات، الأولى خاصة بالإجراءات المطلوب تنفيذها، والثانية تحدد المسؤول عن التنفيذ سواء كان الشركة أو الوزارة، أما الخانة الثالثة فهي تحمل اسم "ملاحظات"، فمثلاً عند خطوة صدور موافقة الهيئة العامة للاستثمار على تأسيس شركة EMG (التي رأسها حسين سالم) سنجد أن الخانة المجاورة لها تحدد الشركة على اعتبار أنها المسؤول عن تنفيذ تلك الخطوة، إلا أن خانة ملاحظات اشتملت على جملة (مطلوب المعاونة في صدور القرار)، وأيضاً فيما يتعلق بخطوة استخراج السجل التجاري للشركة تم إدراج جملة (سيتم بمعرفة الشركة) في خانة الملاحظات.
وفي الوثيقة الخاصة بالقرار الصادر لإنشاء شركة غاز شرق المتوسط في ٢٩ يناير ٢٠٠٠، نصت الوثيقة الموقعة من رئيس الهيئة العامة للاستثمار (الدكتور محمد الغمراوي وقتذاك) وتحمل رقم (٢٣٠) وتنص على: وافقت هيئة الاستثمار على إقامة مشروع شركة غاز شرق المتوسط للعمل بنظام المناطق الحرة الخاصة، وغرضها هو: "تختص الشركة بشراء جميع كميات الغاز الفائض للتصدير من الهيئة العامة المصرية للبترول، وكذلك من شركات استثمار الغاز الأجنبية العاملة في مصر، ونقل وبيع الغاز من جميع الموانئ المصرية في أشكاله المختلفة الغازية والسائلة وبيعه إلى تركيا والدول الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط وغيرها من الدول الأخرى"، وهو ما يمنح حسين سالم احتكاراً لاحتياطي الغاز المصري، لنصه على اختصاص الشركة بشراء جميع كميات الغاز الفائض بغرض التصدير.
تعديل بسيط
وفي وثيقة أخرى سرية بتاريخ ٢٦ يناير ٢٠٠٤، أرسل عمر سليمان خطاباً لوزير البترول، يقول فيه: "معالي وزير البترول، مع عظيم الاحترام، في إطار إنهاء التعاقد مع الجانب الإسرائيلي لبيع الغاز بهدوء، أرفق طيه مشروع قرار وزير البترول بتفويض كل من رئيس هيئة البترول ورئيس الشركة القابضة في التوقيع على العقد الثلاثي (مرفق٢) مهم جداً، وأرجو أن ترسل لي صورة من القرار الوزاري، عاجل جداً".
كما أرفق مشروع عقد الاتفاق السابق توقيعه مع تعديل بسيط طبقاً للواقع لدراسته استعداداً لتوقيعه، وقد اتفقنا معهم على توقيع نهائي للعقود في النصف الثاني من شهر فبراير.
وفي ٢٠ أبريل ٢٠٠٥، أرسل عمر سليمان إلى وزير البترول خطاباً يحمل خاتم "سري جداً" يقول فيه: "أتشرف بأن أرسل لسيادتكم مذكرة التفاهم الخاصة بشراء ونقل الغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة المصرية، علماً بأن وزير البنية التحتية السيد بنيامين بن أليعازر يرغب في توقيع مذكرة التفاهم مع توقيع شركة الكهرباء الإسرائيلية وشركة EMG عقد توريد الغاز. رجاء التكرم بالنظر".
وبعدها بـ١٨ يوماً أرسل عمر سليمان إلى وزير البترول خطاباً آخر بخط اليد يقول فيه: "الأخ العزيز المهندس سامح فهمي أتشرف أن أرفق طيه عقد بيع الغاز لشركة EMG مع التفضل بالمراجعة ليكون جاهزاً للتوقيع خلال هذا الشهر أي يسبق توقيع العقد بين EMG وشركة كهرباء إسرائيل والمزمع توقيعه بين يومي ٢٤ مايو و٢٨ مايو، مع التفضل بإصدار قرار التفويض المرفق مشروع مسودة له".
وفي ١٢ أكتوبر ٢٠٠٥، أرسل عمر سليمان مذكرة معنونة بـ"سرى جداً" إلى سامح فهمي، وزير البترول، بشأن موضوع تخصيص الأرض اللازمة لمشروع شركة غاز شرق المتوسط، ويذكر فيها أنه تم بالفعل تعاقد شركة شرق المتوسط مع الهيئة العامة للبترول بتاريخ ١٣-٦-٢٠٠٥ لشراء كمية من فائض الغاز، كما تعاقدت الشركة على بيع جانب من هذه الكمية لشركة كهرباء إسرائيل بتاريخ ٨-٨-٢٠٠٥، وأن العقد بدأ بالفعل في التطبيق، نظراً لأن شركة كهرباء إسرائيل قامت بفتح خطاب ضمان لشرق المتوسط بقيمة ١٨٠ مليون دولار لمدة ٧ سنوات.
ونصت المذكرة السرية على أنه سبق بتاريخ ٤-٦-١٩٩٨ صدور قرار التخصيص رقم (٣٢٣) لسنة ٩٨ من محافظ شمال سيناء بتخصيص حوالى ٩٦٠ ألف متر مربع للهيئة المصرية العامة للبترول لتنفيذ مشروع الغاز الطبيعي عليها بالشيخ زويد قرب العريش المقامة عليها محطة نهاية خط شمال سيناء الـ٣٦ بوصة.
وتابعت المذكرة أنه يتطلب تنفيذ مشروع شركة شرق المتوسط إقامة محطة استقبال الغاز وضخه شاملة جميع المعدات الفنية والضواغط والعدادات الكهربائية والميكانيكية ومد خط أنابيب.. وغيرها، ويختم المذكرة بـ"برجاء التكرم بإصدار تعليماتكم للهيئة المصرية العامة للبترول على تخصيص مساحة حوالى ٢٠٠ ألف متر مربع لشركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز من ضمن المساحة السابق تخصيصها لها من محافظة شمال سيناء، وذلك وفقاً للمخطط المرفق وبنفس الشروط والأسعار التي تعاقدت عليها الهيئة العامة للبترول مع محافظة شمال سيناء".
وفي خطاب آخر أرسله عمر سليمان إلى "سامح فهمي" كان نصه: "معالي الوزير سامح فهمي، مع عظيم احترامي، أتشرف أن أرفق خطاب شركة EMG بخصوص تأكيد طلبهم بما تبقى من العقد حتى يمكن استمرار توقيع عقود مع الشركات الإسرائيلية، حيث ترفض شركة EMG الإسراع في توقيع أي عقود جديدة قبل وصول التزام الهيئة بالإمداد في عام ٢٠١١، وقد طلبني مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي للشكوى وقد وعدت أن أسهل الموضوع. برجاء التكرم بتوجيه الهيئة لإرسال التزامها للشركة".